لم تنطفئ شعلة الشهداء في ساحة شاهدة على تاريخ مكتوب بدماء رجال لا زالوا حاضرين حيث رائحة الأرز فواحة تطيب ثورة الشجعان ، وحيث نُصُب الشهداء مزهوا برفاقه الذين لم يرضخوا يوما، تماما كما هو، فواجهوا سويا الطغيان وانتفضوا نصرة للحرية و للحقيقة ، وصمدوا حتى الرمق الأخير فنالوا الاستقلال منتصرين لأرواح شهداء سيادة الوطن .
توافدوا الى ساحة الشرف و الشهادة واحدا تلو الآخر سلاحهم أرزة علمهم ، فكان المشهد المليوني وفاء للشهيد الرفيق ، وبقي رواد الساحة على موعد مواجهة دائمة مع اصحاب نهج الإرهاب والترهيب ، حتى حين كانت تضيق بهم سبل العيش فإنهم اختاروا ساحة الحرية منبرا لشكواهم.
وبقيت شعارات" 14 اذار 2005 " يتردد صداها في ذاكرة جيل ثورة جمعت الشعب الذي انتفض معلنا الإنقلاب على نظام مخابراتي يتلذذ بالإضطهاد والظلم وتمادى بالقتل والإغتيال.
غابت الألوان الحزبية حينها عن الساحة ، وكان العلم الللبناني وحده نجم تظاهرة مليونية لا طائفية ولا مناطقية، وهوية المتظاهرين لبنانية محض ، فشكلت حالة استثنائية حررت لبنان من الوصاية السورية وأعادته إلى سيادته .
لا يزال صدى شعارات" 14 آذار 2005 “ يتردد كلما مر جيل الثورة بالساحة حيث انطلقت صافرة التحرير لتقول :" ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني” ، وأنه لا مساومة على مطلب جسده شعار "حقيقة، حرية وحدة وطنية”و “حرية، سيادة استقلال” .
نجحت الساحة في أن تكون جامعة للوطن بغالبية أطيافه تماما كقسم جبران تويني الذي لخّص رؤيته للبنان بلا وصاية وبلا سلاح حين كان الصوت موحدا بالقول: “نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، ان نبقى موحدين، الى ابد الابدين، دفاعاً عن لبنان العظيم" .
افتقدت الساحة كما الثورة في الـعام 2006 العديد من رموزها الذين اغتالتهم يد الاجرام ومنهم جبران تويني، جورج الحاوي، سمير قصير ، وغاب الجنرال ، فيما خرج الحكيم من سجن الوصاية وتجسدت ارادة الحيا بنجاة مي شدياق و غيرها من احرار الارز.
هدأت الساحة بعد ٧ أيار الأسود من العام 2008 ، وحتم إتفاق الدوحة انتقال زخم الساحة إلى مجمع البيال عام 2009 ،وكذلك عام 2010 اذ اقيم مؤتمرا في البريستول بغياب الرئيس الحريري .
كانت العودة الى الساحة عام 2011 على وقع ضغوطات على حكومة الحريري، الذي رفع الصوت مع الشباب تأكيدا على أن " لبنان أولاً و الدولة أولاً والمحكمة الدولية أولاً لأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري وشهداء ثورة الارز لم يكن مجرد حادث”.
منذ ذلك التاريخ ، استعيض عن الساحة باحياء ذكرى الشهداء بلقاءات رمزية، لكنها بقيت وستبقى ساحة صمود و رمزا لصرخة أمل ممزوجة بالألم على شهداء سيبقون كما هي خالدين في ذاكرة وطن وتاريخ شعب كتب في كتاب الحرية صفحات عز في مسيرة معمدة بدماء شهداء الاستقلال الثاني، وه اليوم تلبس ثوب الحياة مجددا لتثبت أنها قلب بيروت النابض بحلم رفيق الحريري و رفاقه الشهداء.